وأنت تتقرب إلى الله .. احذر من الرياء

وأنت تتقرب إلى الله .. احذر من الرياء

في ُسلَّم الباطل، ولأغراض باطلة، ولأهداف باطلة، يعتبر جريمة كله، وفي الإتجاه الآخر، اتجاه الحق، نفس الشيء، يعتبر جريمة؛ لأنه كله سيطلع رياء، أحاول أن أكون مقربًا من فلان بأعمال أتحرك فيها هي أعمال صالحة، أنت هنا تصفِّر على أعمالك، أنت هنا تجعل أعمالك لا تقبل، أنت هنا تبتعد عن الله.

مجال واحد، اتجاه واحد الذي يجب على الناس أن يفكروا كيف يكونون قريبين منه هو الله، ما هناك غيره، لا مُحقّ ولا مبطل، بالأعمال الصالحة أريد أن أكون مقربًا من إنسان مهما كان مقامه، وأنا مقصدي هكذا: أن أكون مقربًا منه بهذه الأعمال الصالحة، الله يقول في القرآن الكريم، يرد على مجاهدين عندما سأل أحد المجاهدين أن الإنسان قد يخرج يجاهد ويحب أن يُرى مقامُه، ويقولون فلان! ما هنا شعور من هذا النوع؟ يكون مقربًا من الآخرين، ويرونه يعظمونه، نزلت الآية: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف110).

أقفل المجال، ليس هناك إلا جهة واحدة هي التي تسعى لأن تكون مقربًا منها وهو الله سبحانه وتعالى، القرب من الله، كل عمل صالح هو يقربك من الله، من رضوانه، من نعيمه، لكن أن تكون من النوعية هذه، من السباقين، أولئك هم المقربون بما تعنيه الكلمة، كأنه يقول عندما يقول: {أُولئِكَ} هم، هم المقربون حقيقة، هم المقربون بما تعنيه كلمة مقرب، وإلا فرحمته واسعة، أصحاب الميمنة، الناس المؤمنين الطيبين، هم لهم قرب من الله، ويدخلهم جنته ونعيمه الواسع، لكن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلًا.

ولأن القضية – كما أسلفنا سابقًا – في مسألة السبق هي مسألة وعي، مسألة فهم، مسألة استشعار بتقوى الله، يكون عندك مشاعر يَقِضَة، إيمان قوي بالله، حرص على رضوان الله.

لماذا أصبحت قضية السبق مهمة؟ لأن العادة أن من ينطلقون في فترة من الفترات، في عمل معين، كثيرًا ما يكون هذا العمل من النوع الذي الناس ما يتجهون فيه، أو يكون المعارضون فيه كثير، أو يكون المشاغبون ضده كثير، أو الأعداء له كثير، أو المشاكل أمامه كثيرة.

فترى كثيرًا حتى ممن هم مؤمنين يتجنبونه، يقولون: عسى ما قد هو ضروري، عسى ما قد هو لازم علينا، يمكن ما قد هو واجب علينا. السبَاقون يكونون هم من يتحملون صعوبة البداية، ثم من بعد يصبح كل شيء محسوبًا لهم.

لاحظ كيف جعل الله فارقًا كبيرًا بين من كانوا ينفقون ويجاهدون قبل فتح مكة، ويقاتلون في سبيل الله، وبعد فتح مكة {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً – أعظم درجة – مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (الحديد10).

ما هذا أنفق وقاتل؟ وذاك أنفق وقاتل؟ لكن هنا أنت تنفق وتقاتل وأنت ترى هذا الإتجاه الذي أنت فيه، فيه آلاف، تقاتل مع ثمانية آلاف، مع اثنا عشر ألفًا، بينما كان الأول يقاتل مع مائتين، مع ثلاث مائة، مع عشرين شخصًا، مع ثلاثين، والمجتمع كله من حولك مجتمع معادي، أنت كنت تنفق في ظروف قاسية، في لحظات مهمة جدًا.

الآن عندما تأتي تنفق مبلغًا سيأتي لك غنائم ربما أكثر مما أنفقت، تنفق وأنت قد معك اثنا عشر ألفًا تقاتل معهم، وتجمعون غنائم، أهل [هوازن] في يوم [حنين] سيأتي له أكثر مما أنفق، تكون النتائج مختلفة، هكذا السباقين هم من يواجهون عادة الظروف الصعبة في البداية، هم من ينصبُّ عليهم، ويتجه إليهم ماذا؟ الكلام المضاد، التّهم، المشاكل، العداوات، أشياء من هذه.

لكن أحيانًا إذا عند الناس تفكير ، تفكير يعني ممكن أن يكونوا سباقين، وبنسبة كبيرة، بسبقهم الجماعي يتفادون كثيرًا من الإشكاليات، يتفادون كثيرًا من المصائب، مثلًا أن تنطلق في عمل لوحدك بمفردك، قد تكون أنت أمام الآخرين، هذا شرف عظيم لك وفيه صعوبة، ما فيه صعوبة؟ لكن أن ينطلق مجتمع بكله بنفس الموقف يجعل الآخرين لا يعودوا يفكرون في شيء، ما يفكروا يعملون أي عمل ضدك، بل يفكرون ربما كيف يتأقلمون معك، كيف يكسبون ودك، أنت وهذا المجتمع، كيف يكسبون المجتمع بكله الذي أصبح يتحرك تحركًا معينًا.

لكن ربما لأنه هكذا، ما يتهيأ في الغالب أن يكون المجتمع ينطلق انطلاقة واحدة، وإلا فهو مطلوب من الكل روح المبادرة، روح السبق، فعادة ما يكون هناك سباقين، فـ{أولئك} هم كما قال الله: {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (الواقعة12).

{أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} هذه واحدة من النعم العظيمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم بعدما ذكر الجنة أن رضوانه هو أكبر نعيم، وحتى تعرف فعلًا أن الرضوان، أن المقام المعنوي سيكون لديك أعظم من النعم المادية، تجد أمثلة في الدنيا على هذا، قد تجد تاجرًا عنده أموال كثيرة، عنده سيارات، عنده بيوت، عنده كل ما يشتهي، لكن يتمنى، ما يزال يحاول أن يكون مقربًا من رئيس الوزراء، يكون مقربًا من وزير خارجية، داخلية، يكون مقربًا من رئيس جمهورية، يكون مقربًا من رئيس مجلس شورى، مجلس نواب مثلًا، يحاول أيضًا أن يكون مقربًا من محافظ، يكون مقربًا من المدير.

ستراه وتلمس فيه أنت أنه ما يهناه ما عنده من نعيم مادي، ما يهناه مثل ماذا؟ ما قد حصل على المقام المعنوي، أن يكون مقربًا من فلان! بعد أن يحصل على هذا المقام فيصبح مقربًا مثلًا من الرئيس ستراه يعتبر كونه مقربًا من الرئيس عنده أغلى من تلك الأشياء كلها، يعتبرها حالة عنده أغلى من تلك الأشياء كلها، ومستعد أن يفديها ولو بأكثر ماله، وتبقى.

سيقدم تبرعات، يقدم مساعدات، يقدم كذا؛ لأجل يحافظ على قربه من الرئيس؛ لأن القرب المعنوي حتى تعرف بأنه نعيم، إنما فقط لأننا معرفتنا بالله قليلة، معرفتنا بالله ضعيفة، وإلا لوجد الإنسان بأنه أن يرى نفسه في عمل يقربه إلى الله سيجد أو سيلمس أن حالة القرب من الله هي أعظم نعيم يحصل عليه في الدنيا وفي الآخرة.

لكن هذا كمثال لنا في الدنيا، وستلمسه فعلًا، تتحرك في الدنيا سترى كيف يكون التاجر الفلاني الذي يمتلك الممتلكات الكثيرة وليس بحاجة الرئيس من أجل أنه سيعطيه حوالات، ليس بحاجة إليها، هو سيعطي هو، سيعطي [المؤتمر] مثلًا في انتخابات، سيعطي في كارثة طبيعية تحصل من أجل أن يحصل على القرب من الرئيس؛ لأنه يرى القرب من الرئيس شرفًا عظيمًا، ويراها نعمة كبيرة عليه أغلى من كل ما لديه.

الله يقول بالنسبة للمؤمنين: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ} (التوبة72) وهو ما يعتبرونه أكبر نعيم، وأكبر جزاء، وأكبر شرف، وأكبر فضل. فيجمع الله سبحانه وتعالى لهم بين هذا القرب المعنوي، القرب منه، وبين النعيم العظيم عندما يقول: {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}.

 

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن

آيات من سورة الواقعة

ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 10 رمضان 1423هـ

اليمن – صعدة