بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ

بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ

القرآن كتاب حكيم بشكل يقطع المتأمل له أنه نزل من عند من يعلم السر في السموات والأرض، من عند الله، وأنه لا يمكن أبدًا لا يمكن إطلاقا أن يكون هذا القرآن من عند غير الله، إنه الحق {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (السجدة: من الآية3) هو الحق {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} (الإسراء: من الآية105)

 

فلم يكن إنزال القرآن من عند الله مجرد ممارسة هواية أن له رغبة كأي رغبة عند أحدنا أن يؤلف كتابًا، ليضع اسمه على الصفحة الأولى وعلى غلاف الكتاب، تأليف فلان بن فلان.. هو الحق ونزل بالحق.. مقتضى الحكمة أن يكون هناك كتاب، ولا بد أن يكون هناك كتاب يتنزل من عند الله سبحانه وتعالى.

{بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (السجدة: من الآية3) وإنزال هذا الكتاب أيضًا له مهمة كبرى، إنزاله للحق الذي نزل به، هو {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (السجدة: من الآية3)، فهو كتاب لإنذار الناس، إنذارهم ليهتدوا. ثم تذكر هذه الآيات: أن الله سبحانه وتعالى هو {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (السجدة: من الآية4).

بعد الحديث عن إنزال الكتاب الكريم، يأتي الحديث الذي يدل على ملك الله، أن له الملك له الأمر، هو الذي يدبر هو الذي خلق، خلق السموات والأرض وخلق الإنسان وهو الذي يدبر شؤون السماوات والأرض، وشؤون الإنسان.. فكيف لا ينزل لهذا الإنسان كتابا يهتدي به.

{بَلْ هُوَ الْحَقُّ} (السجدة: من الآية3) الذي خلق السماوات والأرض بالحق، وخلق الإنسان أيضًا بالحق، وتدبيره للسموات والأرض، لشؤون مخلوقاته جميعًا بالحق، هل يمكن أن يترك الإنسان في هذه الدنيا دون أن ينزل له كتابًا يهتدي به؟ {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (السجدة: من الآية3).

تحدثنا في درس سابق حول قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (السجدة: من الآية4)؛ فلا حاجة لإعادة الموضوع، فالشيء الملاحظ أنه هكذا أحيانًا يأتي الحديث عن خلق الله وعن تدبيره لشؤون خلقه خلق السموات والأرض وما بينهما وتدبيره لشؤونهما، ثم ينتقل إلى الحديث عن التشريع والهداية، أو يأتي الحديث مسبقًا عن التشريع والهداية، أو عن القرآن الكريم كما هنا، وهو مصدر التشريع ومصدر الهداية من الله سبحانه وتعالى، ثم يتعقبه بالحديث عن تدبيره لشؤون خلقه كلهم، السموات والأرض وما بينهما، فهو الذي خلق، وهو الذي يدبر. إذا كان هو الذي خلق السماوات والأرض وهو الذي يدبر شؤونهما، هو الذي خلق الإنسان {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} (السجدة: من الآية7)

هو أيضا الذي له الحق أن يدبر شؤون الإنسان، وشؤون الإنسان تختلف نوعا ما عن شؤون السماوات والأرض والمخلوقات الأخرى الجمادات.. تدبير شأن الإنسان يحتاج إلى هداية، يكون في جانب منه بشكل هداية، بشكل إنذار عن طريق كتب تنزل من عند الله سبحانه وتعالى وعن طريق رسله الذين بعثهم.

هذه الجبال وهذه الأشجار هل هي تحتاج إلى نبي أو إلى كتاب؟ الله هو خلقها، وهو يدبر شؤونها، هو أيضا خلقنا خلق الإنسان، وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ألم يقل الله هكذا في آية أخرى؟

فإذا كان خلق السماوات والأرض يستتبعه تدبير ممن خلقه، كذلك أنت أيها الإنسان الذي خلقك وبدأ خلقك من طين لا بد أن يدبر شؤونك وأنت تختلف عن الجبال عن الأشجار، عن المخلوقات الأخرى، تدبير شؤونك في جانب منه هو الجانب الأكبر يتمثل في: هداية من الله: إنذار، تشريع، توجيه، إرشاد، تعليم عن طريق كتب الله، وعن طريق رسله.

هكذا تأتي آيات القرآن الكريم مترابطة وموضوعها قد يكون للسورة الواحدة موضوعا واحدا تدور حوله تتمحور آياتها كلها حول ذلك الموضوع، ليس هكذا: آية جنب آية لا علاقة لهذه بهذه.

هو يريد أن يقول لنا - حسب ما نفهم وهو أعلم سبحانه وتعالى- : أنه كيف تنتظر أيها الإنسان أن يكون الواقع هكذا: أن الذي خلقك يهملك.. هل يمكن أن يهملك؟ هو خلقك والذي خلقك هو حكيم، هو رب العالمين، وأنت كبقية مخلوقاته، ألا ترى تدبيره لمختلف مخلوقاته ماثلًا أمامك، ألا نرى حركة الشمس والقمر والكواكب، ألا نرى حركة هذه المخلوقات بكلها، ألا نرى أن كل يوم هو في شأن، كل يوم هو في شأن، ذلك التدبير الواسع جدًا للمخلوقات على هذا النحو: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة:5) {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (الحج: من الآية47).

#سلسلة_معرفة_الله (12 - 15)
#دروس_من_هدي_القرآن_الكريم
#الدرس_الثاني_عشر
ألقاها السيد/ #حسين_بدر_الدين_الحوثي
بتاريخ: 4/2/2002م 
اليمن - صعدة
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام